بسم الله الرحمن الرحيم ...
قال الفيروز آبادي في القاموس: الذِكر بالكسر الحفظ للشيء.. وما زال مني على ذُكر وذِكر أي تذكر.
ـ وبهذا تعلم أن الذكر حقيقة في الحفظ والتذكر والاستحضار، واستُخدم في الشرع بمعنى *جريان اللسان بالثناء على الله وطلب المغفرة منه حتى صار حقيقة شرعية، غير أنه غُلب من العامة على وظيفة اللسان، فأصبح لا يطلق الذكر إلا ويتبادر معنى تحرك اللسان بالأذكار، وشطح غلاة الصوفية فصاروا لا يفهمون من الذكر إلا مجالس الرقص والدفوف، وكل ذلك يتنافى مع كثير من إطلاقات القرآن.
ـ يقول الله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسَهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} فذِكرُ الله هنا بمعنى * استحضار عظمته وحفظه مقامه وتذكّر جلاله وهيبته، يؤيده أنه عطف عليه الاستغفار وهو ذلك، فلو كان معنى {ذكروا الله} أي جري اللسان بذكره لتكرر هكذا: ذكروا الله فذكروه، ولا يقال: إن قوله: {ذكروا الله فاستغفروا} من قبيل عطف الخاص على العام، لأن هذا من باب التأكيد، والتأسيس أولى من التأكيد، فالمتجه عندنا أن ذكر الله الزم صفة للمتقين فهم يستحضرون عظمته ويتذكرون أياديه عليهم فيكون ذلك سببًا في معرفة جرم ذنوبهم فيستغفرون.
ـ وتأمل قول الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} تجد أن الذكر هنا أيضًا بمعنى * العلم، وإذا أجريت ما ذكرناه لك عن معنى الذكر هنا فهمت ضرورة أن قوله: {فاسألوا أهل الذكر} أي أهل الخوف من الله والخاشعين له والمستحضرين لعظمته وليس هؤلاء إلا العلماء لقوله تعالى: {إنما يخشى اللهَ من عبادِهِ العلماءُ}.
ـ بل إن قوله تعالى: {الذين إذا ذُكِرَ اللهٌ وَجِلَت قلوبُهم} فيه إشارة إلى ما قرر ناه، فشأن أهل الإيمان (الذين وردت الآية في سياق وصفهم) * توجل قلوبهم بمجرد جريان خواطرهم به عز وجل عند سماع اسم من أسمائه أو صفة من صفاته أو أي شيء يشير إلى مقامه، ولو كان معنى الآية أن المؤمنين توجل قلوبهم بترداد ذكره وجريان اللسان لهجًا بالثناء عليه فليس في ذلك مزية، فمعظم الناس يوجلون عند ترداد الأذكار بحضور قلب، ولكن القليل هم الذين تتفاعل قلوبهم بمجرد ورود الخاطر عن الله.
إذا تقرر ذلك نعلم عندئذ أن ذكر الله عز وجل يكون باستحضار عظمته في القلب وليس نوعًا مستقلاً بذاته، لأن جريان اللسان بالذكر دون حراك القلب ليس مقصودًا من الله عز وجل وتقدس، قال تعالى: {لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن ينالُه التقوى منكم} وقال : "التقوى ههنا وأشار إلى صدره" رواه مسلم، وقال أيضًا : "إن اللهَ لا ينظرُ إلى أجسامِكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم" رواه مسلم.
وبهذا البيان ندرك أن وظيفة اللسان في الذكر يجب أن تحصّل حضور القلب، بتعظيم الله واستحضار هيبته وجلاله .
والحمد لله رب العالمين
منقوووووووووول